فصل: المبحث الثاني: إسرائيل ظاهرة استعمارية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.المبحث الثاني: إسرائيل ظاهرة استعمارية:

أولا: من كتاب ملف إسرائيل:
يقول المفكر الفرنسي جارودي:
أليس هناك فارق بين النازية والصهيونية، فكلتاهما يقوم على التوسع العسكري إلى غير حد، فالقادة الإسرائيليون يؤمنون بضرورة شن الحرب الوقائية بهدف تدمير القوة العربية، وتوسيع رقعة الأرض لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
أخي القارئ آمل أن تقرأ هذا المبحث بتمعن وتدقيق: لكي تدرك أن حرب الخليج قد خطط لها الاستعمار والصهيونية منذ وقت طويل، وأنها لن تقف عند حد تمزيق العراق، بل إن العدو يهدف إلى تمزيق سوريا ومصر والسودان (*) وبقية العالم العربي إلى دويلات طائفية و(كانتونات) وذلك في التسعينات من هذا القرن وقد حان وقت التنفيذ.
تحت عنوان: إسرائيل ظاهرة استعمارية، السياسة الإسرائيلية الخارجية تقوم على التوسع.
ذكر جارودي فقرات من خطاب أرسله دافيد تريتش إلى هرتزل بتاريخ 29 أكتوبر 1899، بعد انقضاء المؤتمر الصهيوني العالمي بقليل، وهو يعبر بوضوح تام عن المنطق الباطني للصهيونية في سياستها الخارجية. ومن هذه الفقرات:
أود أن أقترح عليكم أن تعدلوا من وقت إلى آخر برنامج فلسطين الكبرى، إسرائيل الكبرى قبل فوات الأوان، كان ينبغي أن يتضمن برنامج بال الكلمات فلسطين والأراضي المجاورة لأنه من غير ذلك يصبح البرنامج بلا معنى، فأنت لا تستطيع أن تأوي 10 ملايين يهودي في أرض مساحتها 25000 كيلو متر مربع.
وقد علق جارودي على ذلك بقوله: إن مبدأ الصهيونية ذاته في المناداة بتحويل اليهودية من دين إلى شعب وإلى دولة، واعتبار يهود العالم بأسره أصل هذا الشعب، والنضال لدفعهم إلى العيش في هذه الدولة، كل ذلك فرض على دولة إسرائيل سلسلة من الحروب التوسعية، لكي تحصل على مجال حيوي وهو شعار صنعه هتلر وتاريخ كل الاعتداءات الإسرائيلية، وضم الأراضي لدولة إسرائيل إنما هو نتيجة لأزمة تلك الصهيونية السياسية.
لا فارق النازية والصهيونية شيء واحد!!
ذكر جارودي: وليس هناك فارق بين النازية الصهيونية إلا في مسألة شكلية، فكلتاهما يقوم على التوسع العسكري إلى غير حد، ولكن أيديولوجية التبرير الصهيونية لا تنصب فقط على أسطورة العرق، كان هتلر يقول. كل أرض يعيش فوقها آريون، يجب أن تعود إلينا، وإنما تنصب بصفة خاصة على الأسطورة التوراتية الكاذبة التي تفسر الوعد بمعنى قبلي مادي، ولا تفسر هذه الكلمة تفسيرا روحياً على أنها مملكة الله وإنما تفسرها تفسيراً مادياً بأنها الأرض، فالآية التي وردت في إصحاح الخلق: لذريتك أعطى هذا البلد من نهر مصر إلى النهر الكبير. تعتبر في نظر الصهيونيين برنامجا عسكرياً، وقد رسم هرتزل في كتابه الدولة الصهيونية حدود إسرائيل، في الشمال: مرتفعات تركيا، في الجنوب: قناة السويس، في الشرق: نهر الفرات، وتفسر الآية على أنها حقيقة تاريخية وصك ملكية لتلك الأراضي، وكأن ذرية إبراهيم هم المنحدرون بصلة الرحم وليس بالإيمان، وكأن صلة الرحم تلك لا تنصب على العرب مع أنهم كما جاء في سفر التكوين ذرية إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم- ولا تنصب على الإنسانية التي ترى في تضحية إبراهيم صورة مثالية لإيمانها، وتفسر تلك الآية بصورة لا تنصب على العرب مع أنهم- كما جاء في سفر التكوين- ذرية إسماعيل، الابن الآية أيضا باعتبار صحة نسب اليهود الحاليين بسكان أرض كنعنان القديمة، بينما تؤكد البيولوجيا ويثبت التاريخ أن يهود اليوم كالناس جميعا، نتاج اختلاط وامتزاج شعوب متعددة، من القرم إلى اليمن، ومن أثيوبيا إلى أسبانيا، ولا يمكنهم أبداً المطالبة بإرث أسلاف وهميين واستبعاد السكان الحاليين من عرب ومسلمين ومسيحيين، مع أنهم سكان تلك الأرض، وأقرب إلى سكانها القدامى من المهاجرين البولنديين أو الروس أو الرومانيين أو المجريين أو اليمنيين أو المغاربة، الذين لم يجمع بينهم شيء سوى الدعاية النازية البشعة التي ادّعت زورا أنهم شعب واحد، يمكن التعرف عليه وفقاً لمعايير العنصريين النازيين، وبخصائص بدنية مثل شكل الجمجمة أو الأنف، وبصفات سيكولوجية خاصة بهم.
وبواسطة أسطورة إسرائيل الكبرى أرض الميعاد، وعن طريق قراءة انتقائية مغرضة للكتاب المقدس، لا يكف القادة الإسرائيليون عن تبرير سياستهم التوسعية واعتداءاتهم وضمهم للأراضي باسم تلك الخرافات.
ومن الأمثلة على ذلك:
قول موشى ديان في أغسطس 1967: إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فيجب أن تكون لنا أيضا أرض التوراة واستنادا إلى مثل تلك المبادئ تصبح الحدود مطاطة غير ثابتة.
وقول بن جوريون في مذكراته: أمامكم الإعلان الأمريكي للاستقلال ليس به أي ذكر لحدود أرضية، ولسنا ملزمين بتعيين حدود للدولة، وفي هذا إشارة لها دلالة، فقد ظلت حدود أمريكا غير ثابتة لمدة قرن من الزمان، وكانت تتحرك كلما تقدم الأمريكيون في قتل الهنود الحمر، والاستيلاء على أرضهم، إلى أن توقفوا عند المحيط الهادي.
ويقول: بن جوريون بكل صراحة ووضوح: ليست المسألة مسألة احتفاظ بالوضع الراهن، فعلينا أن نقيم دولة غير متجمدة، دولة ديناميكية تتجه إلى التوسع.
وجاء التنفيذ العملي مطابقا لتلك النظرية الغربية: الاستيلاء على أرض، وطرد من فيها، تلك هي شريعة الغاب التي استخدمتها الدولة الصهيونية منذ البدء، بسبب طبيعة تكوينها، فقرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة لم تحترمه إسرائيل قط، وسبق أن رأينا أنه منذ صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 وانتهاء الانتداب البريطاني فعلاً، استولى الإرهابيون الصهيونيون على أرض كانت للعرب وفقاً للتقسيم مثل يافا وعكا. وعندما تدخلت الدول العربية لحماية الفلسطينيين من القتل الجماعي على طريقة مذبحة دير ياسين- 9 أبريل 1948- انتهز قادة الإسرائيليين الفرصة لضم أرض جديدة، وبعد أن كانت الأمم المتحدة قد خصصت 56% من أرض فلسطين لإسرائيل، أصبح الإسرائيليون يحتلون 80% من فلسطين عند نهاية الحرب الإسرائيلية الأولى.
وهنا أيضا يتعين علينا أن نبدد خرافة أخرى صنعها الإسرائيليون ألا وهي داود الإسرائيلي الصغير أمام العملاق جوليات العربي، وهى أسطورة يحاولون بها استثارة عطف الرأي العام العالمي على هذا الشعب الصغير المهدد في أمنه ووجوده، مع الإشادة في الوقت عينه ببطولاته العسكرية، وذلك دون الإشارة إلى أن جيش إسرائيل يملك الآن قوة عسكرية أعلى نوعاً وكماً مما لدى الجيوش العربية مجتمعة. وفي عام 1948، كانت قوات مصر وسوريا والأردن ولبنان وإيران معا، تضم أقل من 22000 جندي مقابل 65000 جندي لإسرائيل.
ورغم هذا الاندفاع في الاستيلاء على الأرض، لم يقتنع الإسرائيليون به، فقد نشرت صحيفة نيويورك تيمس عدد 9 عام 1964 حديثا مع بن جوريون وكان متقاعداً وقت ذاك جاء فيه: لو أن ديان كان قائداً للجيش في حرب 1948 لصارت أرض إسرائيل أكثر اتساعاً. وقال الجنرال آلون الذي تولى قيادات هامة في حرب 1948: عندما أصدر رئيس الوزراء ووزير الدفاع بن جوريون وكان الرئيس ترومان قد ضغط عليه ضغطاً كبيراً، أمراً بإيقاف تقدم جيوشنا، كنا على حافة النصر من الليطاني شمالاً إلى صحراء سيناء في الجنوب الغربي، ولو استمر القتال أياماً لاستطعنا تحرير البلاد كلها.
ولكن المسألة في نظر إسرائيل كانت تأجيلاً فقط للتوسع إلى أن يحين الوقت المناسب، فعندما قرر الرئيس عبد الناصر تأميم قناة السويس، وجد قادة إسرائيل أن الفرصة سنحت لتحقيق توسع جديد، فتحالفوا مع الإنجليز الذين كانوا يشرفون على القناة، ومع الحكومة الفرنسية وكانت في حرب مع الجزائر، ورأت في ذلك أملاً في ضرب زعماء حرب التحرير الجزائرية وحليفتهم مصر، وتم تنسيق العملية في فرنسا على يد موشى ديان وشيمون بيريز، وعلى يد الجنرال شال الفرنسي وأحد قادة مؤامرة جنرالات الجزائر فيما بعد.
ولكن رأى الأمريكيون والسوفيت إيقاف الحملة فوقفت، ومع هذا بقى مشروع إسرائيل الكبرى كما هو، وكتب مناحم بيجن قائلاً: أرض إسرائيل ستعود لشعب إسرائيل، ستعود كاملة وإلى الأبد.
في عام 1967 قرر زعماء إسرائيل أن يقفزوا قفزة جديدة إلى الأمام، والحرب هي وسيلتهم لحل المشاكل، ففي ذلك العام كان بإسرائيل 96000 متعطل عن العمل من مجموع القوة العاملة البالغ عددها 950000 فرد، وتجاوز عدد من يغادرون إسرائيل عدد القادمين إليها- كان يغادر إسرائيل حوالي 1000 مواطن كل عام- ووصل مجموع التبرعات التي يجمعونها من يهود الشتات الدياسبورا، ومعظمهم من أمريكا، أدنى مستوى، فلو نشبت الحرب وانتصروا فيها، فسيُمّكنهم ذلك من حل مشاكلهم كلها، فالتعبئة واحتلال الأراضي تقضى على مشكلة البطالة، والتلويح بالخطر على أمن إسرائيل ينشط جمع المال، والانتصارات الحربية تجتذب المهاجرين.
وكانت فكرة الحرب الوقائية فكرة واردة في السياق المنطقي للنظام الإسرائيلي.. وقد سبق أن صرح مناحم بيجن في 1955 بالكنيست قائلاً: إني أؤمن إيماناً عميقاً بأنه ينبغي علينا أن نشن حرباً وقائية ضد الدول العربية دون أي تردد. وبهذا نبلغ هدفين:
أولاً: تدمير القوة العربية.
ثانياً: توسيع رقعة أراضينا.
وبدأت الحرب الوقائية عام 1967، حرب الأيام الستة، بعملية شبيهة بالعملية التي قام بها الفاشيون اليابانيون في 7 ديسمبر1941 بميناء بيرل هاربر بجزر هاواي دون إعلان للحرب، عندما فاجئوا ودمروا الأسطول الأمريكي بالمحيط الهادي. وكذلك فعل الإسرائيليون في 3 يونيو 1967، عندما هاجمت أسراب الطائرات الإسرائيلية- دون إعلان للحرب- المطارات المصرية ودمروا الطائرة المصرية وهى رابضة على مهابطها، وفي 12 يونيو 1967 أعلن ليفي أشكول في الكنيمست أن وجود دولة إسرائيل كان متعلقاً بخيط واه، ولكن آمال زعماء العرب في القضاء على إسرائيل تبددت. وما هناك زعيم إسرائيلي واحد يؤمن بصحة هذه المزاعم التي صيغت لتقال للبسطاء من الناس، والتي كانت للاستهلاك المحلى. وقد فضح وزير إسرائيلي سابق موردخاي بنتوف، هذه الأكذوبة فقال على رؤوس الأشهاد: كل هذه القصة عن خطر إبادة إسرائيل مختلقة من أساسها، وقد بولغ فيها لتبرير ضم الأراضي العربية الجديدة، (عدد 14 عام 1972 من صحيفة الهمشار)، وهذا أيضا ما تأكد من ناحية العسكريين، فقد صرح الجنرال عازر وايزمان بقوله: ما كان هناك قط خطر لإبادة إسرائيل (عدد 19 أبريل 1972، من صحيفة معاريف).
كما صرح الجنرال ماتيتيان بيليدا بقوله: النظرية القائلة بأن خطر القتل الجماعي كان مصلتاً فوق رقابنا في يونيه 1967، وأن إسرائيل قاتلت من أجل وجودها، لم تكن سوى خدعة، نشأت بعد الحرب ثم اشتد عودها. (عدد 9 مارس من صحيفة ها آرتس)، كما صرح الجنرال رابين نفسه بذلك، حيث كتب يقول: لا أعتقد أن ناصر كان يريد الحرب. فالفرقتان اللتان بعث بهما في 14 مايو إلى أرض سيناء لا تكفيان لشن هجوم على إسرائيل، وكان هو يعرف ذلك كما كنا نعرفه (عدد 19 مارس 1973، من صحيفة ها آرتس، ونقلتها الليموند الفرنسية عدد 3 يونيو 1972).
لقد تضافر العدوان والكذب، فأتاحا لإسرائيل أن تحتل سيناء، نقول الكذب، لأن زعماء إسرائيل الرسميين لم يتوقفوا قط عن تأكيد قولهم أنهم لا يسعون إلى ضم أراضي جديدة. لا تطمع إسرائيل في أية أرض من أراضي جيرانها، هذا ما قاله ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة ميخائيل كوماي في 8 نوفمبر 1966، (انظر: وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة PV 505 AISPC. كما قال موشى ديان في حديث للإذاعة يوم 5 يونيو 1967: ليست لدينا نية للغزو. (عدد 16 يوليو 1967صانداى تيمس وينبغي لتقدير مدى الكذب، أن نقارن ذلك بما قاله الجنرال هود قائد الطيران الإسرائيلي: استعدادات استمرت ستة عشر عاماً ثم نفذت في 80 دقيقة (المقصود هو الهجمة الجوية يوم 5 يونيو 1967). كنا نعيش مع تلك الخطة، وكانت هي قوتنا الذي نقتات منه، وكنا نحسنها بلا انقطاع. (عدد 16 يوليو من صانداي تيمس ص 7)، وجنى الإسرائيليون ثمرات الخديعة والعدوان، فأصبحوا بعد عام 1967 يحتلون أرضا مساحتها أكبر مما قرره لهم تقسيم 1947 ثلاث مرات. وما كفاهم هذا، فاشتدت شهيتهم للغزو من جديد منذ يوليو 1947، كان الجنرال ديان يقول: في المائة عام الماضية، قام شعبنا بإنشاء هذه البلاد وهذه الأمة، وعمل على توسيع نطاقها باستقدام عدد متيزايد من اليهود وبإنشاء مزيد من المستعمرات لتوسيع حدودنا، وليعلم كل يهودي أن هذه العملية لم تنته وأننا لم نبلغ نهاية الطريق.
وفى عام 1972 نشرت صحيفة معاريف عدد 7 يوليو حديثاً صحفياً مع جولدا مائير ننقل هنا بعض فقراته:
- ما هي حدود الأراضي التي تعتبرونها ضرورية لأمن إسرائيل؟
- إذا كنت تريد أن تقول: إنه يتعين علينا أن نرسم خطاً لحدودنا فهذا أمر لم نفعله، وسننفذه عندما يجيء الوقت المناسب، ولكن يجب أن يعرف الناس أن أساسيات سياساتنا عدم النص في أي معاهدة للسلام على حدود 1967، فلابد من إدخال تعديلات على الحدود. نريد تغييراً في حدودنا، في كل حدودنا، من أجل بلادنا.
وبعد وقعة 1973، استمر تصعيد السياسة الاستعمارية لإسرائيل بلا هوادة وبخاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد سبتمبر 1978- ميونخ مصر- التي جعلت من الممكن مضاعفة إنشاء المستعمرات الاستيطانية في الأرض المحتلة، وضم القدس والجولان إلى إسرائيل، والغزوة اللبنانية في 1982. ولا تعود أهمية العدوان على لبنان في صيف 1982 إلى ما تميز به طابع استثنائي أو سمة غير منتظرة. فهذه العملية قد سبق الإعداد لها منذ عشرات السنين، وتتمشى مع المنطق الاستعماري والفاشي الإسرائيلي؟ من أجل الحصول على مجال حيوي (وهذا تعبير استخدمه هتلر) إنما الجديد في العملية هو أن عدداً كبيراً من يهود العالم، وبعض يهود إسرائيل، وملايين من أهل الغرب- بدؤوا لأول مرة- يدركون مدى الخديعة التي كانوا هم ضحاياها منذ أكثر من ثلث قرن، ومما يحز في النفس حقاً أنه لا بد من قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، وتدمير بيروت ووقوع مذبحة صبرا وشاتيلا البشعة، لكي يظهر الوجه الحقيقي الاستعماري والفاشي للصهيونية السياسية، التي تمارسها حكومة إسرائيل، ولكي يبدأ الناس في إدراك مدى خديعة الصهيونيين. وظهر الكذب واضحاً لدرجة أن كل ما لجأت إليه الصحافة والتلفزيون من وسائل التمويه والتخفية، لم تمنع الناس من أن يلمحوا جزءاً من الحقيقة.
وكانت أول ذريعة تذرّع بها الصهيونيون للاعتداء على لبنان، هي محاولة قتل السفير الإسرائيلي في لندن، واتهموا على الفور منظمة التحرير الفلسطينية بتدبير الحادث، وما لبثت مسز تاتشر أن كشفت في تصريح لها لصحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون، عدد 8 يونيو 1982 حقيقة الأمر بعد التحقيق الذي أجرته الشرطة البريطانية، قالت:... لقد وجدت قائمة مع مرتكبي الحادث تشمل أسماء المطلوب قتلهم، وكان على رأس القائمة اسم ممثل منظمة التحرير في لندن... وفي هذا ما يدحض ادعاء إسرائيل أن المعتدين ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولا أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان كان عملاً انتقامياً لمحاولة الاغتيال هذه، لقد وجد الإسرائيليون في هذه المحاولة عذراً يبررون به عدوانهم على لبنان.
وجاءت بعد ذلك أكذوبة أخرى؟ حول أهداف هذه الحرب، التي أطلقوا عليها اسم: عملية السلام من أجل الجليل. وكان هدف العملية في زعمهم هو إقامة هامش أمنى يمتد بعمق كيلو متراً من الحدود، وفتحت قوات الأمم المتحدة ممراً اندفعت منه قوات إسرائيل فلما تم تدمير بيروت، أقام بيجن فوق خرائبها رئيساً كانت إسرائيل قد سلحته وأعدته منذ وقت طويل ليكون موالياً لها، وعندما ظهر أن بشير الجميل لم يخضع لهم تماماً، اغتيل في مقر قيادته، وكان هذا المقر محاطاً بالحراسة ولا يمكن النفاذ إليه دون موافقة الجيش الإسرائيلي، وتذرعت الحكومة الإسرائيلية بهذا الاغتيال لتحتل جزءاً أكبر من أرض لبنان مدعية أنها تريد سيادة النظام، والحيلولة دون ارتكاب الاغتيالات وتصفية حسابات أخرى.
وعند ذلك، وعلى بعد مائتي متر من القيادة الإسرائيلية، وتحت سمعها وبصرها، وعلى ضوء كشافاتها قام المتعاونون مع الإسرائيلي المحتل بعملية ذبح جماعية استمرت يومين، تم خلالها التخلص ممن كان زعماء إسرائيل يودون إبادتهم. وكان تعليق بيجن على ذلك قوله: غير يهود قتلوا غير يهود.
وليس كل هذا سوى الوجه الظاهر للقصة كلها، ويجدر بنا أن نعرف المسألة من الباطن لنرى أنها خطة مرحلية من مراحل تحقيق مشروع صهيوني سياسي هو: إسرائيل الكبرى ولكي ندرك تماماً أنه لا علاقة البتة بين غزو لبنان وبين الاعتداء على السفير الإسرائيلي في لندن، ولا علاقة بأي تهديد للجليل، لكي ندرك ذلك، ينبغي وضع الهدف اللبناني في موضعه من المشروع الصهيوني إسرائيل الكبرى، ففي وقت لم يكن فيه أي دبلوماسي إسرائيلي قد هوجم، ولم تكن منظمة التحرير قد نشأت بعد، وفي وقت لم يكن هناك أي تهديد للجليل، كانت غزوة لبنان قد اعد برنامجها في الجدول الزمني للبلدان التي ستُضم لإسرائيل، فلقد كتب بن جوريون في يومياته، يوم 21 مايو 1948 يقول: نقطة الضعف في التآلف العربي هي لبنان. فالسيادة الإسلامية فيها شيء مصطنع، ويمكن بسهولة قلبها رأسا على عقب، وينبغي إقامة حكومة مسيحية في هذا البلد، وتكون حدودها الجنوبية هي نهر الليطاني، وسنُوقع معاهدة تحالف مع هذه الدولة، وبعد ذلك نحطم الفرقة العربية الأردنية، ونقصف عمان بالقنابل، ثم نكتسح شرق الأردن، وستسقط سوريا بعد هذا. وإذا تجرأت مصر على محاربتنا فسنقصف بورسعيد والإسكندرية والقاهرة بالقنابل، وبهذا ننهى الحرب، ونكون قد ثأرنا لأسلافنا من مصر وأشور وكلدانية (انظر كتاب: الرسول المسلح، تاريخ حياة بن جوريون تأليف ميخائيل بارزوهار، ص 139).
وهكذا ندرك تماماً على ضوء الأحداث الراهنة إلى أي مدى يمكن أن تؤدى شطحات الأسطورية الصهيونية المصابة بجنون العظمة، إلى إراقة دماء الآلاف من بني البشر.
وقبل الهجوم الغادر على لبنان بوقت طويل، أخذ موشى ديان ذلك المشروع الذي ألفه بن جوريون لتخطيط الهجوم على لبنان، وأدخل عليه بعض التعديلات ليجعله أكثر دقة ففي وقت كان فيه الرائد حداد مازال طفلاً في المهد- أي قبل أن يصبح ألعوبة دموية في يد بيجن بوقت طويل- راح موشى ديان يضع الخطة التالية التي كتبها موشى شاريت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق في يومياته، يقول شاريت: في رأى ديان أن الشيء الوحيد الضروري هو إيجاد ضابط صغير، يكفى أن يكون رائداً، ونحاول إقناعه بأهدافنا، فإن لم يقبل اشتريناه بالمال، حتى يوافق على أن يعلن نفسه منقذاً للمارونيين في لبنان. وعند ذلك يدخل الجيش الإسرائيلي أرض لبنان، ويقيم نظاماً مسيحياً للحكم يعتمد على التحالف مع إسرائيل. ثم تُضم كل الأرض جنوبي الليطاني إلى إسرائيل. (يوميات موشى شاريت 16 يونيو 1955، ص 996).
وهكذا تبدو الصورة واضحة تماما، وتتبدد أسطورة الأمن والسلام في الجليل، وذلك كما كشف عنها النقاب البروفيسير ني إمام من الحزب القومي لأقصى اليمين والذي دخل وزارة بيجن حديثاً في 1982 قال: أمامنا فرصة عظيمة ينبغي على إسرائيل أن تغتنمها لإقامة نظام جديد في لبنان... يجب أن يستعد الجيش ليبقى وقتا طويلاً في لبنان، وخلال ذلك تستطيع إسرائيل أن تحسن وضعها الاقتصادي ومركزها من الناحية الفنية الإدارية في منطقة تعتبر تاريخياً جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل الكبرى... وستتمكن ولا شك من أن تدخل في الخطة الإنمائية الجزء الجنوبي من لبنان حتى نهر الليطاني.
وكالعادة لدى قادة إسرائيل الذين ينالون بعد كل تصعيد للموقف بأنه لابد من السير أبعد مما وصلوا إليه لتحقيق الخطة الصهيونية، راح أريل شارون يقول: لا لم ننجز بعد غير يسير من عملنا (من حديث لشارون مع صحيفة أوروبا ميلانو، 28 أغسطس 1982).
ويصدق بحق على حرب لبنان هذه، ما يصدق على كل حروب إسرائيل، كما عبر عن ذلك بشجاعة البروفيسير ليبوفتز في موتمره الصحفي يوم 14 يونيو 1982، بمدينة القدس: هدف هذه الحرب هو الإعداد للحرب التالية. وتجري الأمور وكأن الزعماء الصهيونيين يطبقون حرفياً الآية التالية من سفر يشوع: كل موضع قدم تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته (الإصحاح1/3).
وذلك هو التصور السائد لإسرائيل الكبرى، الهدف الدائم للصهيونية السياسية كما يذكرنا بذلك اللواء احتياط الجنرال غازيت رئيس جامعة بير سبع حالياً، في استعراضه للأهداف الأساسية فيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي: يجب أن تكون أرض إسرائيل كلها تحت سيطرة إسرائيلية، بل يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الدولة اليهودية، وعلى إسرائيل أن تدرك الضرورة الملحة لإيجاد حل جذرى لمشكلة الوجود العربي فوق أرض إسرائيل (عدد 3 يناير 1982 من صحيفة يديعوت أحرونوت).
ثانياً: كتاب (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية):
يقول جارودي تحت عنوان القراءة المتطرفة للصهيونية السياسية: تستخدم الأساطير التوراتية كذرائع للسياسات الإجرامية الصهيونية مثل أسطورة يشوع التي تقول بأن يشوع عندما فتح عجلون ضربوها بحد السيف، وقتلوا كل نفس فيها، كما فعلوا بلبته.. واجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لاكيش إلى عجلون ونزلوا عليها وحاربوها، وافتتحوها في ذلك اليوم فضربوها بحد السيف، وأبسل كل نفس فيها في ذلك اليوم عينه، كما فعل بلاكيش وصعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها... (سفر يشوع 10- 34).
وتستمر هذه الملحمة المملة في سرد وتعداد عمليات الإبادة المقدسة، التي وقعت في الضفة الغربية، وينبغي لنا أمام هذه الأحاديث، طرح سوالين أساسيين هما: الأول بشأن صحتها التاريخية، والثاني بشأن عواقب التقليد الحرفي للإشادة بسياسة الإبادة فما قيل عن مسيرة يشوع، قلده بيجن عندما قضى في 9 أبريل 1948، على سكان دير ياسين من الرجال والنساء والأطفال، البالغ عددهم 254 نسمة، وقتلهم هو وجنوده الآرجون لكي يفر العرب العزل مذعورين.
ويكرر سفر تثنية الاشتراع: وإذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي أنت صائر إليها لترثها واستأصل أمماً كثيرة، فأبسلهم إبسالاً (الفصل 7/1- 2) ولا يقف أحد بين يديك حتى تفنيهم (الفصل السابع 7/24) فهو لم يطلب من اليهود فقط طرد العرب بل الاستيلاء على كل فلسطين، وما قيل عن طريقة يشوع هي التي أشار إليها موشى ديان بقوله: إذا كنا نمتلك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فينبغي لنا أن نمتلك كذلك أرض التوراة، وأيضا هي التي أشار إليها يورام بن بورات في الجريدة الإسرائيلية الكبرى يديعوت أحرونوت الصادرة في 14 يوليه 1972: لا صهيونية واستعمار للدولة اليهودية بدون إبعاد العرب وطردهم والاستيلاء على أراضيهم. أما وسائل وأساليب هذا الاستيلاء على الأرض، فقد حددها رابين عندما كان جنرالاً على الأراضي المحتلة: تكسير عظام ملقى الأحجار من أطفال الانتفاضة.
فماذا كان رد فعل المدارس التلمودية في إسرائيل؟ تسليم السلطة إلى أحد المسؤولين المباشرين عن مذبحة صبرا وشاتيلا، وهو الجنرال رفائيل إيتان الذي نادي بزيادة تحصين المستوطنات اليهودية القائمة، وبنفس هذا اليقين اندفع الدكتور باروخ جولدشتاين، وهو مستوطن من أصل أمريكي، من قرية أربه الضفة الغربية، وقتل أكثر من سبعة وعشرين فلسطينياً، وجرح أكثر من خمسين، وهم يصلون في الحرم الإبراهيمي. وكان باروخ عضواً في جماعة متطرفة تأسست برعاية أريل شارون- أي تحت حماية من قاد مذابح صبرا وشاتيلا، والذي كوفئ على جريمته بتعيينه وزيراً للإسكان، ومكلفاً بتنمية المستوطنات في الأراضي المحتلة، وهو الآن موضع تبجيل المتطرفين الذين يأتون إلى قبره بالزهور وينحنون لتقبيله، فهو الأمين على تقاليد يشوع الرامية إلى القضاء على كل شعوب كنعان، من أجل الاستيلاء على أراضيهم، كما يزعمون. وهذا التطهير العرقي الذي يمارس بشكل منتظم في دولة إسرائيل اليوم ينبع من مبدأ النقاء العرقي، الذي يمنع امتزاج الدم اليهودي بأي دم نجس من دماء الآخرين.
وفى السطور التي تلي أمر الرب بالقضاء على السكان، يوصى الرب موسى وقومه بألا يزوج شعبه من بنات تلك الشعوب (سفر الخروج إصحاح 34/16).
وفى سفر تثنية الاشتراع: فإن الشعب المختار (إصحاح 7، 6) لا ينبغ له الاختلاط بالآخرين: (ولا تصاهرهم ابنتك، ولا تعطيها لابنه وابنته لا تأخذها لابنك (إصحاح 7/3)، وظل هذا الانفصال عن الآخر هو القانون. ففي كتابه التلمود كتب الحاخام كوهين يقول! يمكن توزيع جميع سكان المعمورة بين إسرائيل والشعوب الأخرى جمعاء، فإسرائيل هو الشعب المختار.
وهذه العنصرية، نموذج كل أنواع العنصرية الأخرى، هي أيديولوجية تستخدم لتبرير هيمنة الشعوب المختلفة.
وأدت الحرفية إلى التمادي في المجازر التي قام بها يشوع: إن مستوطني أمريكا من البروتستنت الأطهار، كانوا في سبيل الاستيلاء على أراضي الهنود ومطاردتهم، وهم يتذرعون بيشوع وعمليات الإبادة المقدسة للعمالقة والفلسطينيين.
وفى 10 نوفمبر 1975 وفي جلسة عامة، اعتبرت منظمة الأمم المتحدة أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
ولكن ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وضعت الولايات المتحدة يدها على الأمم المتحدة، وحصلت في 16 ديسمبر 1991 على قرار بإلغاء القرار العادل الصادر في سنة 1975 مع أن الحقائق تثبت أن لا شيء قد تغير منذ 1975، فقد اتخذ بالأحرى قمع الشعب الفلسطيني واستعماره وإبادته الجماعية البطيئة، أبعاداً أوسع لم يسبق لها مثيل.
انتهى كلام جارودي.